الرئيسية \ اصدارات \ مقالات \ قانتات حافظات \ قانتات حافظات - ح16 - حق المرأة في إبداء الرأي ودورها السياسي في الحياة العامة

بسم الله الرحمن الرحيم

قانتات حافظات

حق المرأة في إبداء الرأي ودورها السياسي في الحياة العامة

 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،،،، تحدثنا في المرة السابقة عن حق آخر من حقوق المرأة ألا وهو حقها في العمل ، وهذا الحق نقلنا إلى حقها في إبداء الرأي وحقها بالمشاركة في السياسة في الحياة العامة.

قلنا إنه يجوز للمرأة أن تكون عضوا في مجلس الأمة في حال وجود مجلس أمة ، وواقع  مجلس الأمة  أنه يحاسب الحاكم ويراقبه، ويظهر سخطه بما يحتاج إلى إظهار سخط، كالتقصير في رعاية الشؤون، وكالتساهل في تطبيق الإسلام، أو القعود عن حمل الدعوة الإسلامية وما شاكل ذلك.

وهذا كله من السياسية أي رعاية الشؤون وبحاجة لأن يكون للمرأة رأي فيه، فأعمال مجلس الأمة هي أن الدولة ترجع إليه لأخذ رأيه فيما تريد القيام به من أعمال داخلية وخارجية، ومحاسبتها على ما قامت به من أعمال داخلية وخارجية، أو هو من نفسه يعطي للمرأة إبداء  آراءها  في الأمور، داخلية أو خارجية، ومن أعماله أيضا إعطاء رأيه فيمن يكونون مرشحين لمنصب الخلافة، وإظهار تذمره من الولاة والمعاونين، وكلها تدخل تحت إعطاء الرأي الذي يرشد إلى عمل.

و أعضاء مجلس الأمة رجال ونساء هم وكلاء في الرأي عن الأمة برجالها ونسائها أيضا،  فإن للمرأة الحق بأن تعطي رأيها في كل ما هو من صلاحيات مجلس الأمة، فلها أن تعطي رأيها السياسي، والاقتصادي، والتشريعي، وغير ذلك. ولها أن توكل عنها من تشاء لإعطاء الرأي، وأن تتوكل عمن تشاء بإعطاء هذا الرأي. وقد أعطاها الإسلام حق إعطاء الرأي، كما أعطى الرجل سواء بسواء، فالشورى في الإسلام حق للرجل والمرأة على السواء.

ولما كان مجلس الأمة هو مجلس لإعطاء الرأي، وكان أعضاؤه وكلاء عن غيرهم في إعطاء الرأي، فإنه يجوز للمرأة أن تنتخب وتنتخب في مجلس الأمة، أي يجوز لها أن تكون وكيلا عن غيرها، وأن توكل غيرها في إعطاء الرأي. والدليل على ذلك بيعة  العقبة حيث كان فيها ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان، هما أم عمارة بنت كلب إحدى نساء بني مازن، وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بني سلمة

 فذهبوا جوف الليل وتسلقوا الشعب جميعا وتسلقت المرأتان معهم، وقد قال لهم الرسول: "أبايعكم على أن تمنعوني ما تمنعون به نساءكم وأبناءكم" أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق عوف بن مالك. وقد كانت بيعتهم هذه أن قالوا: "بايعنا على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وأن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم" أخرجه أحمد والنسائي من طريق عبادة بن الصامت، وهذه بيعة سياسية.

وللمرأة أيضا أن تنتخب الخليفة ولها أيضا أن تبايعه فعن أم عطية قالت: "بايعنا النبي صلى الله عليه و سلم  فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منا يدها فقالت: فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها. فلم يقل شيئا. فذهبت ثم رجعت" أخرجه البخاري. وبيعة النبي صلى الله عليه و سلم  لم تكن على النبوة وإنما كانت على الطاعة للحاكم.

وأيضا قوله تعالى في سورة الممتحنة، الآية 12 : (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم )، ففيه دليل قرآني نفذه الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول بيعة المرأة لولي الأمر بل ووجوبها، فان البيعة في هذه الآية هي بيعة طاعة لولي الأمر، على الالتزام بأحكام الشريعة وقوانينها، والإقرار بولايته.

فللمرأة أن تبدي رأيها ولها أن تناقش وتسأل وتستفسر ، وتعطي النصيحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" أخرجه مسلم من طريق تميم الداري، فلم يقتصر إعطاء النصيحة على الرجل، بل للمسلم أن يعطي النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، سواء أكان المعطي رجلا أم امرأة.

و كانت النساء يناقشن الرسول ويسألنه فإن معنى ذلك أن يناقشن الخليفة وغيره ممن بأيديهم الحكم ويسألنهم. فقد روي أن الرسول عليه السلام بعد أن وعظ الرجال يوم العيد "مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جنهم، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت لم يا رسول الله ؟ . . الحديث" أخرجه مسلم من طريق جابر، وهو يدل على أن المرأة ناقشت الرسول وسألته عن سبب ما قاله في حقهن. وقصة خولة بنت ثعلبة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجادلته، قصة مشهورة قد أشار إليها الله في القرآن في سورة المجادلة.

هذا من حيث حق المرأة في العمل وفي إبداء الرأي وفي دورها السياسي، ولكن وجب لفت الانتباه إلى نقطة هامة ألا وهي أن الشرع قد أوجب أحكاما شرعية متعددة، آخذ بعضها برقاب بعض، ولا يعني طلب التقيد في حكم منها ترك التقيد في غيره، بل لا بد من تقيد المسلم والمسلمة في أحكام الشرع جميعها، حتى لا يحصل التناقض في الشخص الواحد، فيبدو التناقض  وكأنه في الأحكام. فالإسلام لا يعني في إباحة الأعمال للمرأة أن تذهب إلى دائرة الدولة تعمل فيها موظفة أو ممرضة في مستشفى، بعد أن تكون قد أخذت زينتها، ولا يعني أن تذهب إلى المتجر في مثل هذه الزينة، تباشر البيع في حال من الطراوة والإغراء، وبأسلوب من الحديث يغري المشتري أن يتمتع بمساقطتها الحديث أثناء هذه المساومة، في سبيل أن تغلي عليه ثمن السلعة، أو تغريه بالشراء، ولا يعني الإسلام أن تشتغل كاتبة عند محام، أو سكرتيرة لصاحب أعمال، وتختلي به كلما احتاج العمل إلى الخلوة، وتلبس له من الثياب ما يكشف شعرها وصدرها، وظهرها، وذراعيها، وساقيها، وتبدي له ما يشتهي من جسمها،  بل  أمر النساء بالحشمة وبارتداء اللباس الكامل في الحياة العامة، والذي قمنا ببيانه وبتفصيل في حلقات سابقة وأيضا منعها من الخلوة بالأجانب.

كلا لا يعني الإسلام شيئا من ذلك وإنما يعني الإسلام أن يطبق المسلم أحكام الإسلام كلها على نفسه. فحين أباح الإسلام للمرأة أن تباشر البيع والشراء في السوق منعها من أن تخرج إليه متبرجة، وأمرها أن تأخذ بالحكمين معا.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة بتقوى الله،  أمر كلا من الرجل والمرأة أن يغضوا من أبصارهم، وأن يحفظوا فروجهم  ومتى اتصف المسلم بتقوى الله، فخاف عذابه، أو طمع في جنته ونوال رضوانه، فإن هذه التقوى تصرفه عن المنكر، وتصده عن معصية الله.

كما وأمرهما  أن يبتعدا عن مواطن الشبهات، وأن يحتاطا من ذلك حتى لا يقعا في معصية الله، فمنع كلا من الرجل والمرأة من الخلوة بالآخر ، كما ومنعهما  الإسلام من مباشرة أي عمل فيه خطر على الأخلاق، أو فساد للجماعة. فتمنع المرأة من الاشتغال في أي عمل يقصد منه استغلال أنوثتها. فعن رافع بن رفاعة قال: "نهانا صلى الله عليه و سلم  عن كسب الأمة إلا ما عملت بيديها. وقال: هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل والنفش" أخرجه أحمد. فتمنع المرأة من الاشتغال في المتاجر لجلب الزبائن، والاشتغال بالسفارات والقنصليات وأمثاله بقصد الاستعانة بأنوثتها للوصول إلى أهداف سياسية، وتمنع من أن تشتغل مضيفة في طائرة، وما شاكل ذلك من الأعمال التي تعمل فيها المرأة بقصد استخدام أنوثتها.

وبهذا كله يمكن أن نرى كيف أن قيام المرأة في الحياة العامة بالأعمال التي أباحها الشرع لا ينتج عنه أي فساد، ولا يؤدي إلى أي ضرر، بل هو ضروري للحياة العامة ولرقي الجماعة. فالشرع أعلم بما يصلح الإنسان فردا أو جماعة في الحياة الخاصة والعامة.

نأتي الآن إلى ختام حلقتنا لهذا اليوم، ونلتقي معكم في حلقة جديدة الأسبوع القادم بإذن الله، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أم سدين

02 من صـفر 1431

الموافق 2010/01/17م

التعليقات

قانتات