الرئيسية \ اصدارات \ مقالات \ أُفٍّ لكم، أما آنَ لكم أن ترعووا وتتعظوا!!؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم

أُفٍّ لكم، أما آنَ لكم أن ترعووا وتتعظوا!!؟؟

بعد القمع الهمجي الذي جوبهت به النزهة - المسيرة التي حا ولت تنظيمها حركة 20 فبراير مع عدد من معتقلي تيار السلفية الجهادية السابقين وبعض أفراد عائلاتهم وعدد من الحقوقيين نحو معتقل تمارة يوم الأحد 15/05، وفي حركة كأنها للتكفير عن ذنبها، صرح خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مساء نفس اليوم أن "وزير العدل أعطى التعليمات للنيابة العامة كي تقوم بالتحريات القضائية اللازمة بعين المكان، وأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بصدد القيام بنفس المهمة...، كما أن البرلمانيين يستعدون بدورهم للقيام بعملهم بكيفية واضحة في نطاق ما يسمح لهم به الدستور والقانون التنظيمي لمجلسي النواب والمستشارين"، أي أن ثلاث جهات مختلفة ستقوم بزيارة لهذا المركز للتحري عن حقيقته.

وقبل أن تقوم هذه الجهات الثلاث بزيارتها، وكعادته، استبق الوزير النتائج، وكأنه يحدد لهذه الجهات مسبقاً ما يجب أن تصل إليه، فنفى وجود معتقل سري بمدينة تمارة، وأكد أن "الأمر يتعلق بالمقر الإداري للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني"، وأضاف قائلاً: "إننا نشتغل بما يلزم من الشفافية المطلقة حتى ينكشف للجميع أن الأمر يتعلق فعلاً بمقر إداري لإدارة مراقبة التراب الوطني ولا يتعلق الأمر إطلاقا بمكان للتعذيب"، وتعليقاً على القمع المفرط الذي جوبهت به المسيرة، قال الناصري، أن تعمد المتظاهرين تحدي السلطات العمومية وإصرارهم على تنظيم هذه المسيرة غير المرخص لها قانونا "أدى إلى نوع من الشنآن قد تترتب عنه حالات من التشنج" (!).

وكما توقع / فرض الوزير، قامت اللجان الثلاث بالزيارة يوم الأربعاء 18/05، فجاءت النتائج، يا سبحان الله، متطابقة، بل فاقت المطلوب منهم، فلم تكتف بنفي بوجود أي معتقل سري في مركز تمارة، بل تطوّعت بمدح جهاز مديرية مراقبة التراب الوطني على "الجهود الجبارة التي يبذلها لحماية المواطنين". فقد صرح محمد مبدع، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب "ليس هناك أي شيء يوحي بوجود معتقل سري"، وقالت لطيفة بناني سميرس، رئيسة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أن المديرية "لا تشتغل إلا من أجل ضمان أمن المواطنين". وإلى نفس النتيجة ذهب الحسن الداودي، رئيس فريق العدالة والتنمية، أما أمثلهم طريقة فقد كان عبد الحكيم بنشماش، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، الذي صرح بأن "الزيارة الميدانية أكدت، في حدود ما رأيناه، أن الأمر يتعلق ببناية ككل الإدارات... الوفد البرلماني اطلع على دور المديرية في التصدي بكل حزم للمخططات الإرهابية التي تستهدف المغرب.. وأقدر الجهود التي تقوم بها مديرية مراقبة التراب الوطني لمواجهة الجريمة المنظمة والإرهاب".

وكذلك صنع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث أفاد بلاغ صادر عنه بأن الزيارة مكنت "من التعرف على وظيفة هذا المرفق وعلى مكوناته، ولم يلاحظ خلال تفقد مختلف المباني وجود أي مؤشرات من شأنها أن تؤكد، في إبانه، أن هذا المكان مخصص للاعتقال خارج القانون". أما الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، فقد أكد أنه لم يقف خلال الزيارة التي قام بها، لمختلف البنايات التابعة للمقر الإداري للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتمارة على أي مكان "يمكن اعتباره معتقلا سرياً"، وقال: "لم أعثر على أي مكان يمكن أن يعتبر أو يستشف منه على أنه يستعمل كمعتقل سري أو مخصص لأية ممارسات مشينة أو غير قانونية". ثم انبرى بعدها للإشادة بـ "الديستي" معتبرا أن "مديرية مراقبة التراب الوطني التي تأسست بهدف السهر على صيانة وحماية أمن الدولة الداخلي، بذلت مجهودات هامة مكنت من التصدي لكل التنظيمات الإجرامية بجميع أنواعها، بما فيها الخلايا الإرهابية وشبكات الهجرة السرية والمخدرات وكذا تبييض الأموال والجريمة المنظمة والسطو على البنوك والاختطاف والقتل".

ماذا نملك أن نقول بعد هذا؟ ماذا نملك إلا أن نقول: أُفٍّ لكم، تبّاً وتعساً لكم من كَذَبَةٍ، على من تضحكون؟ ماذا كنتم تنتظرون عند زيارتكم؟ هل كنتم تنتظرون أن تروا أشلاء الناس ودماءهم، أم أن تروا كلاليب التعذيب وأدواته، أم كنتم تنتظرون أن تصُمَّ آذانكم صيحات الأسرى تحت التعذيب، هل كنتم تنتظرون أن تجدوا كل هذا أو بعضه حتى تحكموا حينها وحينها فقط أن هذا المركز مركز تعذيب!؟ ماذا كنتم تنتظرون والدولة هي التي خططت لزيارتكم، ولم تسمح لكم بالدخول إلا بعد أن أخذت المهلة الكافية لكي لا تروا إلا ما تريده هي!

إن أجهزتنا الحكومية متمرسة بل وبارعة في إخفاء أكثر المناظر بشاعة سويعات قبل مرور الموكب الملكي، وكلنا يعلم كيف تنبت أشجار النخيل الباسقة وتخضر الحدائق وتبيض واجهات العمارات وتُخفى أحياء الصفيح وتنار الشوارع بسرعة البرق، أفيُعجِز الدولة أن تخفي بعض المظاهر بل وتغير المشهد كله لمركز لا تتجاوز أبعاده بضع مئات من الأمتار!! فكيف تسقطون في هذا الفخ، هذا إن افترضنا حسن النية، وتصرحون بما تريده الدولة منكم، وتخذلون آلافاً من ضيوف المعتقل السابقين، الذين كانوا ينتظرون أن يسلط شيء من الضوء ولو خافتاً على النسخة المعدلة لتازمامرت؟

أيماري أحدكم أن سجن غوانتنامو يعتبر أحد أفظع السجون في العالم!؟ فهل رأيتم الصور التي خرجت منه حين سمحت أمريكا لمن تريد هي بزيارته، لقد بدا سجناً "لطيفاً"، بل أجمل من كثير من الأقفاص التي يعيش فيها مئات الآلاف من أبنائنا، مما يسمى المنازل الاقتصادية، فهل نقول بأن كل ما قيل عن هذا السجن محض اختلاق وأنه لا عتب على أمريكا؟!

ماذا تفعلون بمئات الشهادات للمعتقلين الذين تجرعوا ويلات هذا السجن، هل كانوا يحلمون؟ أم أنهم مندسّون مغرَّرٌ بهم وعملاء للخارج كما يزعم زملاؤكم من أزلام الأنظمة المترنحة!؟ أنكذب حواسنا ونصدقكم؟ أنحتاج إلى دليل لإثبات ما قام عليه الدليل الحسي؟ قال الشاعر:

وليس يصح في الأذهان شيء               إذا احتاج النهار إلى دليل

عجباً لكم، وألف عجب!!

ولنفرض جدلاً أن مركز تمارة بريء مما يُنسب إليه، أفلا تبحثون عن المكان الذي عُذِّب فيه هؤلاء؟ إن مشكلتنا ليست مع معتقل تمارة فقط حتى تقولوا إننا عملنا لجنة تحقيق، بل وثلاث لجان، فلم نجد فيه ما تزعمون وينتهي الإشكال، بل إن مشكلتنا مع التعذيب والممارسات المشينة أينما حدثت، في تمارة أو في غيرها، ومشكلتنا مع معتقل تمارة ليست مع المعتقل كبناية، بل مع العقلية التي لا تستطيع أن تحكم البلاد إلا إذا أوجدت فيه أمثال هذه المعتقلات حيث يُمَثَّل بالأحياء، وتُكمِّم الأفواه وتخنق الأصوات المعارضة لكي يخلو الجو للحكام للنهب والعربدة!!

إن مشكلتنا لن تنتهي حتى لو أعلنوا إغلاق هذا المركز تنفيساً للاحتقان، فقد أغلقوا قبل ذلك مركز تزمامارت وأكدز وغيرهما من مراكز العار... وعقدوا ندواتٍ للمصالحة، وأعلنوا أن ريحاً جديدة تهبُّ على البلاد، وأن مفهوماً جديداً للسلطة يتم إيجاده في الواقع، لكن الواعين كانوا يعلمون أن لا شيء تغير، وأن العقلية التي أنتجت تازمامارت هي نفسها التي بقيت تسيطر على دواليب الحكم، وكان ما كان، وعزَّ على الحكام أن يُسرِّحوا الجلادين... خوفاً من تضخم أعداد العاطلين، وعزَّ عليهم أن يفقدوا هذه الأطر التي تمرَّست في تعذيب الناس وحازت على تجربة عظيمة في إذلال الناس، فاستبدلوا مركزاً بمركز، ومدَّدوا عقود عمل الجلادين، وأمدُّوهم بالتقنيات الجديدة النفسية والمادية لكي يستمروا في أعمالهم ويخدموا الوطن بسحق عظام من يتجرأ على مناوئة النظام. فحسبنا الله ونعم الوكيل.

إن مشكلتنا لن تنتهي إلا بإيجاد نظام سياسي تربى أفراده على مخافة الله، وعلى استحقار الدنيا وجعل الآخرة هي الهم اليومي والهدف النهائي، جيل نشأ على فكرة أن أموال الناس ودماءهم وأعراضهم محرمة حرمة مغلظة، جيل تشبَّع بفكرة أن وظيفة المسئول هي خدمة الناس والسير في قضاء حوائجهم وتيسير مصالحهم بما يرضي الله، لا تعذيبهم والتعسير عليهم، سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أَحَبِّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ فقَالَ: «أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي المُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضًى، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الأَقْدَامُ».[1]

أما أنت يا "سعادة" الوزير، يا من أخذت على نفسك الدفاع عن الظلمة، وتحميل الضحية نتائج "تشنج" جلاديه، فإنا نذكرك أنت ومن تتكلم باسمهم وتدافع عنهم ممن يبيحون لأنفسهم تعذيب خلق الله، نُذكِّركم بالله، وبيومٍ قريبٍ، تقفون فيه بين يديه، فهيِّـئوا لذلك اليوم عذره، وما أظنكم تجدونه، قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا»[2]، وقال أيضاً: «إِنْ طَالَتْ بِكُمْ مُدَّةٌ أَوْشَكَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللهِ، وَيَرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ، فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ البَقَرِ»[3]، وفي رواية موقوفة على عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: "إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ المُنَزَّلِ صِنْفَيْنِ فِي النَّارِ: قَوْمٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ، لا يُدْخِلُونَ بُطُونَهُمْ إِلا خَبِيثاً"[4]، ونحذرك يا "سعادة" الوزير، أنت ومن يستهينون بعاقبة الكذب والكذابين، بقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ[5])) وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا: « فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَضَعُ الْكلُّوبَ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالا: انْطَلِقِ انْطَلِقْ... قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالا: نَعَمْ، الَّذِي رَأَيْتَهُ يَشُقُّ شِدْقَهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ فَيُصْنَعَ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»، وقوله عليه الصلاة والسلام: وَإِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»[6]

أما إن كنتم من الصنف الذي لا يخيفه وعيد الله، ولا يهتم إلا بأمر الدنيا، فإنا نذكركم بمصير زملائكم في تونس ومصر، والباقون على الطريق إن شاء الله بهم لاحقون، فقد كانوا أكثر منكم جاهاً وعزاً، فلم يحمدوا الله على نعمه، ولم يراعوا حق الله وحق عباده فيما آتاهم الله، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم وأجهزتهم الأمنية، فما أغنت عنهم من الله شيئاً، وأتى الله بنيانهم من القواعد، فأصبحوا، بين غمضة عين وانتباهتها، بين سجناء يعضون على أيديهم، وطرائد يقلبون أكفهم عَلَى مَا أَنْفَقوا على تثبيت كراسيهم فإذا هِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا، فارعووا هو أولى لكم، واتعظوا، فإن السعيد من اتَّعَظ بغيره، والشقي من اتُّعِظ به، ولا تكونوا كالذين ذكرهم الله في كتابه حين قال: ((فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ))[7].

21/05/2011.

[1]  رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وحسنه الألباني.

[2]  صحيح مسلم، من طريق هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ.

[3]  رواه أحمد من طريق أبي هريرة رضي الله عنه، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم.

[4]  مصنف ابن أبي شيبة، قال النووي في التفسير: فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة.

[5]  سورة غافر، أية: 28.

[6]  صحيح مسلم.

[7]  سورة الأعراف، آية: 165.

التعليقات