الرئيسية \ اصدارات \ مقالات \ بين المعارضة الحقيقية والمعارضة المزيفة

بسم الله الرحمن الرحيم

بين المعارضة الحقيقية والمعارضة المزيفة

 

عرفت البلاد الإسلامية في الفترة الأخيرة تضخماً كبيراً في عدد الأحزاب من شتى الأطياف، وكلها يعلن أنه يعمل للصالح العام ومحاربة الفساد والظلم، ومعظمها يدعي أنها معارض للأنظمة القائمة الفاسدة، لكن السؤال، هل يمكن اعتبار هذه الأحزاب ضمن المعارضة، وما معنى المعارضة أصلاً؟ وما هي مواصفات ومقاييس المعارضة الحقيقية؟

 

جاء في معاجم اللغة في شرح كلمة معارضة، عارضه: ناقضه في كلامه، عارض الشيء بالشيء أي قابله به، مثال: عارض الكتاب بالكتاب أو القصيدة بالقصيدة. فالمعارضة هي أن تأتي بالشيء النقيض أو الشيء المقابل فتحكم على الأول بناءً على الثاني.

هذا من حيث اللغة، لكن اللفظة لا شك أصبحت تحمل في عصرنا معنى اصطلاحياً، فما هو المعنى الذي أصبح يقصد بها الآن؟

 

جاء في معجم ويكيبيديا، المعارضة هي مجموعة الحركات التي تعارض قرارات من بيدهم السلطة، وينتهي دور المعارضة حين تصل إلى الحكم. ومفهوم المعارضة بالشكل المعروف حالياً هو جزء مما يسمى النظام الديمقراطي، حيث يتولى الفائز بالانتخابات التشريعية الحكم، بينما يصطف الباقون في المعارضة. وحينها تتولى الموالاة الدفاع عن كل أفعال الحكومة، وتتولى المعارضة انتقاد كل أعمالها.

 

أما في الإسلام فلا توجد معارضة بهذا المعنى، ولا توجد أحزاب موالية وأحزاب معارضة، بل توجد محاسبة للحاكم من طرف مجلس الأمة، بل ومن طرف الأمة كلها، فلكل مسلم الحق في محاسبة الحاكم سواء كان عضوا في مجلس الأمة أم لم يكن، وسواء كان ينتمي لحزب سياسي أم لا. بل أكثر من ذلك، فالمحاسبة ليست حقاً للمسلمين يجوز لهم استعماله أو تركه، ولكنه فرضٌ شرعيٌّ عليهم، من باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

نعم، فالأمة تحاسب الحاكم وأعوانه وولاته وكل موظفي الدولة، إن هم ظلموا أو انحرفوا عن الجادة، أو قصروا في عملهم أو انحرفوا عن تطبيق شرع الله، أما إن طبق الحاكم غير شرع الله، كأن سنَّ قانوناً وضعياً أو عطَّل حكماً شرعياً دون دليل شرعي مسوغ، فإن الأمة لا تكتفي بمحاسبته، بل تتجاوز ذلك إلى عزله أو الخروج عليه حتى لو وصل الأمر إلى رفع السلاح في وجهه وهو ما يسمى اليوم بالتمرد العسكري.

 

وبالعودة إلى ما يعرف بالأحزاب المعارضة اليوم، فإننا نجد أنها كلها تعمل تحت عباءة النظام وبموافقته، فحصولها على الترخيص القانوني ابتداءً إنما يكون بعد إبداء موافقتها على النظام السياسي للبلد ملكياً كان أم جمهورياً، والموافقة على النظام تعني الموافقة على الدستور، وعلى شكل النظام، وعلى آليات الوصول إلى الحكم وتداوله، فإذا كانت الأحزاب موافقة على كل هذا، ففيم تتجلى المعارضة؟ وما الذي تعارضه؟ إن كانت وافقت على الدستور الذي هو أصل المشكل، ووافقت على النظام العام في البلد، ووافقت على الديمقراطية التي تقضي بجعل التشريع للبشر، وإقصاء شرع الله، فهذا يعني عملياً أنه لا توجد معارضة، اللهم إلا في بعض الأمور الفرعية، التي لا تقدم ولا تؤخر. إن المعارضة في الواقع، ليست إلا وجهاً آخر لأحزاب الموالاة، ووسيلة لإطالة عمر الأنظمة عن طريق إيهام الشعوب بإمكانية إيجاد تغيير من داخل النظام. أما عملياً، فإن الحزب المعارض بمجرد وصوله إلى الحكم، فإنه يبدأ بتطبيق سياسة سلفه التي كان يعارضها سابقاً، فيما تتحول أحزاب الموالاة سابقاً/المعارضة حالياً إلى معارضة سياسات الحكومة الجديدة التي لا تعدو أن تكون سياستها عينها حين كانت في الحكم، وهكذا يقوم النظام الحاكم فعلياً باستعمال الأحزاب في مسرحية لتبادل الأدوار والضحك على الأمة باسم الانتخابات وتداول السلطة بين أحزاب الموالاة والمعارضة.

 

هذا هو واقع أحزاب المعارضة في عالمنا العربي والإسلامي، فلا غرابة إذن أن تبقى الأمة الإسلامية في كبوتها ما دام أن أس الداء والبلاء النظام المطبق عليها حاليا هو مشروع الموالاة والمعارضة معا.

 

أما الأحزاب التي من شأنها أن تحدث تغييرا حقيقيا وتشكل معارضة  – بديلا – حقيقية فيشترط فيها أمران:

  • أن تطرح بديلاً جذرياً للنظام القائم، بديلاً جذرياً للدستور وللنظام السياسي، نظاماً مختلفاً تماماً عن هذه الأنظمة التي جربها الناس وخبروا ويلاتها وشرورها.
  • أن يكون لديها وعي سياسي عميق يمكنها من فهم ما يجري حولها ويجنبها السقوط في الفخاخ التي تنصب لها على المستوى المحلي والدولي.

وكل حزب توفر فيه هذان الشرطان يصح أن يعتبر حزبا يحمل مشروعا تغييريا حقيقيا، وإلا فإنه لا يعدو أن يكون وجها آخر للنظام.

 

أما على الساحة اليوم، فإننا نزعم أن حزب التحرير هو الحزب المبدئي الوحيد الذي يحمل لواء المحاسبة والمقارعة الحقيقية لكل أنظمة العالم، وليس المعارضة بمفهومها الديمقراطي، فلديه بديل جذري وصادق نابع من الإسلام، وهذا البديل ليس مجرد شعارات جوفاء، ولكنه مخطوط في شكل دستور مفصل، وأنظمة فرعية متناسقة مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله. أما عن وعيه السياسي، فإن الواقع يشهد له بواسع اطلاعه وعمق تحليلاته وفهمه الدقيق لما يجري ليس فقط في محيطه العربي والإسلامي، ولكن في العالم أجمع.

 

وعليه، فإننا نقول بملء أفواهنا أن الحزب الذي له القدرة على إحداث التغيير الجذري الإسلامي والذي يمثل عقبة كأداء في وجه مخططات الغرب وأتباعهم من حكام المسلمين هو حزب التحرير، أما ما سواه من أحزاب المعارضة في كنف الأنظمة القائمة فكلها معارضة مزيفة لإطالة عمر النظام الرأسمالي الفاسد.

 

كتبه بلال عبد الله.

 

13 من صـفر 1435
الموافق 2013/12/16م

التعليقات