الرئيسية \ اصدارات \ مقالات \ الانتخابات الجماعية: دليل آخر على فشل الديمقراطية في التعبير عن رأي الأغلبية

بسم الله الرحمن الرحيم

الانتخابات الجماعية:

دليل آخر على فشل الديمقراطية في التعبير عن رأي الأغلبية

عرف المغرب في 09/04 الماضي تنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية، وجاءت النتائج كما هو معروف باكتساح كبير لحزب العدالة والتنمية حيث استطاع مضاعفة عدد المقاعد التي حصل عليها بما يزيد عن ثلاثة أضعاف إذا ما قورنت بنتائج انتخابات سنة 2009.


لا نريد تكرار المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام عن الإحصائيات وترتيب الأحزاب ومناطق النفوذ، ولكن سنركز فقط على بعض الأمور التي تكشف عيوب النظام الديمقراطي والتي يتحاشى الجميع التحدث عنها:


1/ أعلنت الجهات الرسمية أن نسبة المشاركة قد بلغت 53.67%، واستبشرت خيراً بهذه النسبة لأنها فاقت وإن بقليلٍ نسبة المشاركة في انتخابات 2009، إلا أن ما لا يركز عليه الإعلام هو أن هذه النسبة تُحسب من المسجلين مسبقاً في اللوائح الانتخابية (وعددهم يقارب 15 مليون)، لا من عموم من يحق لهم التصويت وعددهم يقارب 26 مليون شخص. فإذا حسبت النسبة ممن يحق لهم التصويت عموماً، فستكون نسبة التسجيل هي 57%، وتكون نسبة المشاركة الحقيقية في الانتخابات هي حوالي 31% فقط، أي أن أكثر من ثلثي من يحق لهم التصويت قد قاطعوا هذه الانتخابات، ومع ذلك فإنهم يتبجحون بنتائجها ويدعون أنهم فهموا مقصد الشعب وحققوا له إرادته. والحقيقة أن نسبة الامتناع العالية تدل دلالة واضحة على الميول الحقيقية للأمة وتظهر بما لا يدع مجالا إلا لمكابر، أن الأمة قد فقدت الثقة في السياسيين بشتى أطيافهم ولم تعد تأبه لعبثهم.


2/ أوردت الجهات الرسمية إحصائيات حول عدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب مقابل عدد المقاعد التي حصل عليها:

الحزب عدد الأصوات المحصل عليها الترتيب من ناحية عدد الأصوات عدد المقاعد المحصل عليها الترتيب من ناحية عدد المقاعد
حزب العدالة والتنمية 1559814 1 5021 3
حزب الأصالة والمعاصرة 1333546 2 6655 1
حزب الاستقلال 1070095 3 5106 2


ومن هذه الأرقام يظهر أن حصول حزب العدالة والتنمية على أكبر عدد من الأصوات لم يشفع له للحصول على أكبر عدد من المقاعد حيث حل في المرتبة الثالثة، بينما حل الثاني في الصدارة والثالث ثانياً، وهذا يظهر مرة أخرى كذب الديمقراطية التي تدعي تمثيل الأكثرية، ويظهر كيف يلعب التقطيع الانتخابي الذي تمارسه الدولة دوره في توجيه النتائج دون الحاجة إلى تزوير النتائج بالشكل المفضوح الذي كان يمارس سابقاً والذي لم يعد ممكناً ولا مستساغاً.


3/ لم تكد تظهر نتائج الانتخابات حتى بدأت الصفقات والمفاوضات بين الأحزاب الفائزة، بشكل لا يحترم أي منطق ولا عقل، فضلاً عن إرادة الناخبين وتوجهاتهم، فرأينا في عدد من الجهات كيف أن أعداء الأمس الذين كانوا يسلقون بعضهم بألسنة حداد، لا يجدون اليوم أي غضاضة في أن يتحالفوا لتقاسم المناصب هنا وهناك.


وفي الأخير نقول لحزب العدالة والتنمية: لقد صوت لكم الناس بكثافة ليس لاقتناعهم ببرامجكم الانتخابية، فأنتم تعلمون أن معظم الناس لا يدرسون البرامج بتعمق، أضف إلى هذا أن برامجكم تكاد لا تختلف في شيء عن برامج باقي الأحزاب. لقد صوتوا لكم بالأساس لأمرين، هما سلامة اليد من الفساد ورائحة الإسلام. فلا تخونوا الناس وتخونوا الأمانة التي حُمِّلتموها، وكما نحذركم من المال الحرام ونحذركم من أن تلغوا في أموال المسلمين أشد التحذير، فإننا نحذركم من التنكب عن أحكام الله، فإن الذي حرم المال الحرام وأوجب عليه أشد العقوبة، هو نفسه من حرم أن يحكم بغير شرعه، أخرج البخاري وأحمد من حديث خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ كان قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [رواه مسلم في صحيحه وأحمد في المسند ومالك في الموطأ]. نقول إن الذي حرم المال الحرام هو نفسه الذي حرم التحاكم إلى غير شرعه، قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [سورة المائدة، من الآية 49]، وفي هذه الآية تحذير من الله عز وجل لنبيه من أن يساير أهواء الظلمة فيتنكب عن بعض أحكام الشرع وإن كان ذلك طمعاً في أن يدخلوا في الإسلام. ونذكركم، وأنتم أهل للذكرى، أن الحكم بغير ما أنزل الله هو من أشد الكبائر وأنه يوشك أن يوقع صاحبه في الكفر والعياذ بالله.


أما باقي الأحزاب، فنقول لهم، إن الهزائم المنكرة التي تمنون بها في كل انتخابات لترشد كل ذي عينين أنكم قد فقدتم منذ زمن كل مصداقية يمكن أن تكون لكم عند الأمة. أما أسباب فقدكم لها فتعلمونها جيداً: أولها أن معظمكم تلوث بالمال الحرام، وثانيها أنكم تنكرتم لكل شعاراتكم بمجرد أن أُلقمتم الوظائف والمناصب، وثالثها أنكم لا تحملون همَّ الأمة ولا تسايرون تطلعاتها وأنتم تعلمون جيداً أن الأمة إنما تتوق إلى أن تحكم بالإسلام وتعيش في ظل أحكامه. فإن بقيتم على ما أنتم عليه، فإننا نبشركم بأفول نجومكم قريباً حزباً بعد الآخر، ولن ينفعكم ما تتلقونه من دعم مادي ولا المساحات الإعلامية الواسعة التي تتاح لكم لتنصبوا على الناس وتبيعوهم الأوهام.


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن عبد الله


     
27 من ذي القعدة 1436
الموافق 2015/09/11م

التعليقات